الحاجة الى ثقافة فلمية
بقلم : بيلا بولاش *
ترجمة : عدنان المبارك
معلوم عامة أن الفلم يلقي على أوسع الجماهير بتأثير هو أكبر من تأثير أيّ فرع آخر للفن. وحرّاس الثقافة الرسميون يتقبلون هذه الظاهرة بقلق وخشية. لكن لا أحد يعترف بالضرورة المهمة النابعة من هذا الواقع والتي هي التعرف على الفلم و إمتلاك ثقافة مناسبة وذائقة فلمية. ففي حالة العكس يكون محكوما على المرء بتلقي التأثيرات الطيبة و السيئة على السواء. وهذه تأتي من تلك الظاهرة المتميزة والكبرى للعصر. فحينها يكون الفلم شأن أيّ عنصر من عناصر الطبيعة غير المفكرة. علينا أن نعرف قوانين وإمكانيات الفلم كي نتمكن من التحكم وتوجيه ما يلقي بأكبر تأثير على الجماهير في كامل تأريخ الثقافة. ويسهل الإعتقاد بأن نظرية هذا الفن الأكثر نفوذا إجتماعيا هي الأهم بين نظريات جميع الفنون. ولاأحد ينكر اليوم بأن الفلم هو الفن الشعبي لعصرنا. وللأسف ليس بالمعنى الأولي لهذه الكلمة أي أن الفلم هو نتاج بروح الشعب بل أنه روح الشعب ( المقصود هنا سكان المدن بالدرجة الأولى )، إنه نتاج هذا الفن الذي نما وأصبح صناعة ضخمة. وتعتمد صحة الشعب النفسية على الدرجة التي نقدر فيها على غرس الثقافة الفلمية في النفوس. ولغاية الآن لم ندرك الأخطار التي يأتي بها الجهل العام بفن الفلم. لقد إعتدنا اليوم على مراعاة العوامل الإجتماعية في حقل الثقافة لكن لا أحد قد أدرك تجنب مسائل أستيتيكا الفلم في الفروع الفنية التي تؤهلنا لممارسة المهنة ، رسميا ، وفي كل مكان. فالأدب وجميع فروع الفن الأخرى تملك في الأكاديميات والجامعات أقسامها. أما الفن الجديد ، فن الفلم فلايملك شيئا من هذا القبيل. وفي عام 1947 أنتخب للمرة الأولى أحد السينمائيين عضوا في الأكاديمية الفرنسية. وفي العام نفسه أسست في براغ أول مدرسة فنية عليا تملك الى جانب أقسام الفنون الجميلة والموسيقى وفن المسرح قسم نظرية فن الفلم أيضا. وفي كتب المدارس المتوسطة يجرى الكلام عن جميع الفنون ، أما فن الفلم فيخصص له فصل صغير فقط. إن ملايين الناس تتعلم أستيتيكا الأدب والتصوير رغم أنهم لا يستفيدون فيما بعد من هذه المعرفة ، إذ يندر أن يقرأوا الكتب أو يشاهدوا اللوحات الفنية لكنهم يترددون كل مساء على السينما وهم غير مهيئين وبدون أيّ ثقافة فلمية. لا أحد يعلمهم النظر الى الفلم وتقدير فنه. إن عدد المدارس السينمائية المهنية كبير اليوم. ولا أحد ينكر أن نظرية الفلم قد تكون أمرا شائق بل ضروريا لكن لدى الخبير فقط. وفي لندن وباريس تؤسس بأعداد متزايدة الجمعيات والمعاهد العلمية الجديدة التي تتفرغ لعلم الفلم filmology لكن هناك القلائل الذين يدركون تماما أن المقصود هنا ليس علما للخبراء بل من أجل أن تصبح المعرفة الفلمية حاجة لدى كل إنسان محب للثقافة. فمن لايعرف الأدب أو الموسيقى يعد إنسانا غير مثقف. وإذا لم يعرف بتهوفن أو ميكاله أنجلو يستثنى من الوسط الثقافي ، أما إذا جهل تماما أسماءا مثل ديفيد غريفيث D. Griffith أو آست نييلسن A. Nielsen فلربما يعتبر ذا ثقافة رفيعة للغاية. وكما نرى لا يطلب من أيّ احد أن يعرف شيئا عن هذا الفن الذي هو الأهم ، لكن من أجل إحساس الجماهير السليم وخير تأريخ الثقافة من الضروري تربية الذوق الفني الذي يمكننا من تقدير الفلم هذا الفن الذي يرّبي بدوره ذوقنا أيضا. وطالما لا نلحق الفصول التي تتكلم عن الفلم بجميع الكتب المدرسية المكرسة للأستيتيكا والتأريخ العام للفن، وطالما لايملك الفلم أقسامه الجامعية وحصصه الإلزامية في المدارس المتوسطة ليس بمقدورنا الكلام عن أننا أدركنا حقيقة أن الفلم هو ذلك الحدث الإنعطافي في تأريخ تطور الإنسان. و ليس القصد أن يكون هناك تفهم للفن بشكله المنتهي بل مصائر هذا الفن الذي يكون وجوده معتمدا على معرفتنا. إننا نتحمل المسؤولية عن مستواه. وقانون تأريخ الفن هو أن الفن والتربية يؤثر أحدهما على الآخر. فالفن يربي ذوق الجمهور ، والذوق الجيد يضع أمام الفن متطلبات أكبر. ويخص هذا القانون ، لدرجات أكبر ، الفلم. ففي أيّ حقل آخر من الفن ليست بمصيبة أن يؤلف الفنان السابق لعصره كتابا في غرفته أو أن يلون لوحة أو يضع موسيقى لا يفهمها أحد من أناس عصره. فهذه الأعمال تصبح مفهومة مع تطور المستوى الثقافي والفكري للجيل القادم. وقد يرحل الفنان إلا أن عمله لن يفنى. أما إذا خص الأمر فن الفلم لايقضي إنعدام الثقافة العامة والفهم ، على الفنان بل على الفن ذاته بالدرجة الأولى، وفي مهده. حينها تنتفي الولادة ذاتها. فالفلم نتاج صناعة كبيرة وهو غالي الثمن ويكون نتاجا معقدا لعمل جماعي ، وليس بمقدور عبقري وحيد يتجاهل ذوق عصره أن يخلق هذا الفن. وهذا لايشمل فقط الإنتاج الرأسمالي الذي يقصد الربح الفوري ، بل الآخر المؤمم الذي لايقدر أيضا على التوّجه الى جمهور الجيل القادم. لابد للفلم من أن يحقق النجاح في درجة معيّنة. لابد أن يكون مفهوما ، فهذا هو الشرط المادي والضروري لنشوئه. والمفارقة في هذا الوضع تكمن في أنه بمستطاع المنتج أن يخلق الفلم في حالة واحدة لاغير وهي أن يكون مفهوما لدى الجمهور. وليس المقصود هنا الذوق السلبي الذي يستهلك ماهو جاهز بل الذوق الخلاق الذي يمنح الشجاعة والأمل ، وبعبارات أخرى يكون القصد هو الإستعداد النظري لدى المتفرج ، وتلك الأستيتيكا التي لاتستخلص الإستنتاجات من العمل الفني القائم بل تخطط له مسبقا وتطلبه وتكون بإنتظاره.
* بيلا بولاش( B . Balazs ( 1884 -1949 ، و إسمه الحقيقي هربرت باوير H. Bauer هو المنظّر الهنغاري المعروف. وكان ناقدا سينمائيا لامعا ، وكاتبا أعطى الكثيرمن النصوص المكرسة لأستيتيكا الفلم ، كما وضع السيناريوهات ونشر مجموعات شعرية ورواية كرّسها لسيرته الذاتية.