السبت، 31 مايو 2008 

خفة الكائن التي لاتحتمل





فراس عبد الجليل الشاروط

الاقتباس السينمائي للرواية عملية صعبة ومعقدة، فقد فشل كثيرون في نقل روح النص الأدبي للسينما، ونجح آخرون معطين روحا جديدة وقراءة أخرى للنص الأدبي ليكرسوا لنجاح الرواية نجاحا سينمائيا وخير مثال على ذلك فيلم المخرج انتوني مانغلا الموسوم المريض الإنكليزي والذي أعده من وجهة نظر شخصية أفضل مثال للاقتباس الحر وهو مأخوذ عن رواية مايكل اونداتجي بنفس الاسم... وفي فيلم ( خفة الكائن التي لا تحتمل) تبدو مهمة المخرج (فيليب كوفمان) صعبة نوعا ما وذلك بسبب: كون الرواية هي رواية الكاتب التشيكي الكبير ميلان كونديرا، واحدة من أفضل وأصعب روايات القرن المنصرم والتي يمكن أن نطلق عليها رواية إشكالية لتشابك نظم السرد والروي فيها وتقاطع مصائر الأبطال، وهي تتحدث عن ربيع براغ من عام 1968 عندما تسللت الدبابات السوفيتية إلى شوارع المدينة ليلا لتمحو ذلك الربيع تدريجيا، والفيلم مثله مثل الرواية يتحدث عن ذلك التغلغل السوفيتي في تشيكوسلوفاكيا من خلال قصة حب بين توماس وسابينا ثم توماس وتريزا ثم تريزا وسابينا وهي خلفية للأحداث ويفصل دراميا بين فترتين: الجزء الأول نتعرف فيه على مسيرة الطبيب الشاب توماس الدون جوان الحديث وزير النساء الذي لا هّم له سوى حب الفتيات ولا يعبأ بما يحدث حوله سياسيا أو حتى اجتماعيا هكذا يقضي أيامه بين النساء والمستشفى حتى علاقته مع الفنانة التشكيلية سابينا لا تخلو من مرح وخفة تحت ليل براغ الآمن. في الريف يلتقي توماس بتريزا وهي عاملة في مقهى المستشفى تترك عملها وتلتحق بتوماس في براغ لتنشأ بينهما قصة حب وسلوتهما الوحيدة رواية آنا كارنينا لتوليستوي، يقع الدكتور في حب القروية ذات العينين الخضراوين العاشقتين للقراءة، يتزوجها ويعثر لها على عمل بمساعدة صديقته سابينا، في أحدى الليالي تضيق تريزا بغراميات توماس فتحمل حقيبتها وتخرج وما أن تصل إلى الباب حتى يغزو المدينة ضجيج، صوت من أعماق الخوف، ضوء يخترق ظلمة الليل الآمن، يلحق بها توماس يطوقها بذراعيه ويتفرجان على الدبابات السوفيتية وهي تقتحم شوارع براغ، ينتهي الجزء الأول من الفيلم ويبدو أن المخرج قد نجح إلى حد ما في تصوير الحس الساخر للرواية من خلال لغة سينمائية شفافة ومحببة كاشفا أبعاد شخصياته وهمومها ومشاعرها وملامح الواقع الذي تعيش فيه لننزلق معه في
متعة بصرية وسحر سينمائي حقيقي، ولكن الحال تنقلب في الجزء الثاني من الفيلم ليتبدل الإيقاع وتتغير الروح من المرح إلى الجدية، طراوة الجسد اللين أمام بساطيل الجنود الخشنة، تريزا الرومانسية بأحلامها، الواقعية برؤيتها بما يحيط بها، تتحول بفعل واقع الاحتلال الجديد إلى جسد متصد خفيف الحركة، فهي الشاهدة على موت الحرية، هنا تختفي روح خفة توماس لنقف أمام قوة روح تريزا.تسافر سابينا إلى جنيف مع طوابير طويلة للمهاجرين، ويبقى توماس وتريزا شاهدين على مجزرة العصر وموت الربيع، وتصبح عين تريزا المصورة الفوتوغرافية هي الموثقة للحقيقة ولكن لا يمكن الصمود أكثر من ذلك، يهاجر الزوجان ليلحقا بسابينا، ويعمل توماس في الطب، وتضيع سابينا بين الحب وفقدان الهوية، وتوثق تريزا صور المقاومة ضد الدبابات السوفيتية على رؤساء تحرير المجلات فيطلبون منها صورا أخرى لمواضيع بعيدة فزمن المقاومة قد ولى.
توماس بقي مثلما هو لا يعبأ بما يجري حوله ولا بد انه أصبح سويسريا كي لا يهتم كما تقول تريزا، لذلك فهي ترفضه، وترفض بشدة منطق الطير المحلق دون جاذبية تشده إلى ارض الواقع، تستميل إلى سابينا وتتعرى أمامها بلا حياء للمرة الأولى في مشهد غاية في العذوبة والرقة، هي ترفض ألعاب سابينا، وليونة الغرب، ولا مبالاة توماس، خفة الوجود هذه لا يمكن لمن هم على شاكلة تريزا قبوله، العيش بلا مسؤولية فتقرر العودة للوطن، فالغربة هناك على أرضه أفضل من أن تعيش لاشيء في بلاد لا تعرفها ولا تعرفك لتفقد نفسك وهويتك.وننتقل مرة أخرى إلى براغ ومع خطوات تريزا الخائفة تتغير ألوان الفيلم إلى باهتة، كل شيء واقف ويلتحق بها توماس فيعيشان حياة مملة وعبثية ولا أمل فيها بل حتى اللون يموت فليس هنالك سوى الرمادي، وبموت كلبهما يقرران السفر إلى الريف بحثا عن السعادة ولكن القدر أسرع يخطف روحيهما في حادث سيارة، وتبقى سابينا وهي تهاجر إلى الولايات المتحدة وحيدة، نظراتها تعانق الأرض ودموعها هي ملاذها الوحيد.ربما أصاب الفيلم في جزئه الثاني شيء من الرتابة والملل والتطويل، جاذبية الجزء الأولى لم تتناسب مع خفة الجزء الثاني التي لا تطاق حيث انتقل المخرج من تصوير مشاهد الحب والغيرة والعشق واللحظات الإنسانية الرقيقة إلى الحرب والتنافر والسفر من براغ إلى جنيف إلى أميركا وفكك الشخصيات بدل من تقاربها، لقد أراد فيليب كوفمان بذلك أن يوصل إلينا ملل الإبطال ورتابة حياتهم وجمود حركتهم، لذلك جاءت كل حركات الفيلم أشبه بحركة موسيقية بين ارتفاع وانخفاض، بين توقف وحركة حيث ينتقل بنا من حركة الحب إلى توقف الخارج وموته.بذل مدير التصوير جهدا رائعا في تصوير مشاهد الحب مركزا فيها على اللقطات الكبيرة للوجوه والأيدي والعيون وتأوهات اللذة، كما برع ثلاثي التمثيل الممتاز الذي اختاره المخرج الممثل الايرلندي دانيال دي لويس والفرنسية جوليت بينوش والسويدية لينا أولين، انسجموا مع أدوارهم وأدوا مشاهد غاية في الروعة ستبقى ماثلة في الذاكرة سنوات طويلة، أخرج فيليب كوفمان فيلمه هذا عام 1989 عن سيناريو كتبه جان كلود كاريير (وهو السيناريست الذي برع في كتابة سيناريوهات أفلام المخرج لويس بونويل) عن رواية للكاتب ميلان كونديرا كتبها في فرنسا عام 1982، لقد نجح كوفمان في مغامرته هذه برغم انه مخرج أميركي أي انه يعتمد على الحركة واللقطات الكبيرة والاختصارات فيما النص الذي بين يديه مع السيناريو والممثلين والأحداث هي أوربية، كانت تجربة وناجحة لكوفمان إلى حد ما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فراس عبدالجليل الشاروط







ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الثلاثاء، 27 مايو 2008 

اوليفر ستون وعنف المواجهة






عدنان المبارك




كان فلم أوليفر ستون ( ولدوا كقتلة Natural Born Killers ) من عام 1994 من أكثر أفلام التسعينات الذي تضاربت حولها الآراء ، تماما كما كانت الحال مع فلم سام بيكنباه ( العصابة الوحشية ) أو (البرتقالة الميكانيكية ) لستانلي كيبريك ، من عام 1971. بالطبع كثيرون إتهموا ستون بتمجيد العنف والقهر ومن ثم تحريض المتفرج على إرتكاب الجريمة وتحويل القسوة الى مشهد ساحر وإلى آخره...
في تصريحات صحفية كثيرة يعلن ستون عن هويته الفنية : " ستراتيجيتي هي أستكتة aesthetisation العنف والتصرف بحلول ذات تأثيرات إخراجية ، كما هناك رغبتي في خلق عمل ُيظهر آليات ٍ تدعم ظاهرة القسوة وحضورها الشامل في الثقافة الراهنة والميديات".
وكان كاتب سيناريو هذا الفلم كونتين تيرينتينو قد اراد لعمله هذا أن يكون هجاء للمؤسسات التي تعتاش على شيوع العنف ، ومحاكاة ساخرة لتقاليد هذه الأصناف من الفلم. كما هي واضحة في هذا الفلم السخرية المرة من مجتمع منوَّم ومسحور بهوس الجريمة والقتلة ، ويعايش عبث المبتذل والسوقية و أسوأ اشكال الفن ، في حياته.
لقد حوّل أوليفر ستون العرض الفلمي الى آخر شبيه بما نلقاه في الميديات ، حين أخذ بأستيتيكا الفيديو كليب و صنف المسلسلات الكوميدية المسمى سيتكوم situation comedy / sitcom، والدعاية التجارية و أفلام الرسوم المتحركة ، وبهذه الصورة يطلق تيارا متباينا من الصور والأصوات . وتلك الدراماتورغيا الشرسة ل( ولدوا كقتلة ) تولد طراز خاصا من تلقي ّهذا العالم المقدَّم الذي يكون العنف والقسوة وليس فقط ظواهر طبيعية بل متجذرة في الواقع وتكون من صفاته الأساسية. فبطلا الفلم ميكي Mickey ومالوري Mallory يظهران على خلفية صور مصطنعة حيث النوافذ تتحول الى شاشات تضيء مشاهد القسوة والعنف. ولهذا الزوج من البشر صار العنف بمثابة مشهد طبيعي يسقطون فيه المشاعر وردود الفعل. و في الواقع لاخيار أمامهما بين اللاعنف والعنف. ففي عالمهم لاشيء غير الثاني، وهناك من ذكرنا بالشبه القائم بين ( ولدوا كقتلة ) و فلم نيكولاس رويغ N. Roeg ( الإنسان الذي سقط على الأرض The Man Who Fell to Earth ) من عام 1976 . فبطل هذا الفلم خضع لعمليات أريد منها أن يتكيف للحياة على كوكبنا . أحاطوه بعشرات الشاشات كي يرغموه على مشاهدة اعمال عنف تعرض بوتيرة أسرع فيها. وُمشاهد فلم ستون قد دفع الى وضع شبيه بهذا: إنه ُمهاجم بمشاهد القسوة الناتجة من الخطوط السردية للفلم . وفي فلم ستون تفتقد أي فرصة للهروب والإحتماء من العنف ببطل من صنف آخر وأيّ كان مدى إيجابيته. فقد حرم ستون بطليه هذين من كل مشاعر ( طبيعية ) تذكرنا بشيء من رومانسية عاشقين. وبالمقارنة مع ( ولدوا كقتلة ) يبدو فلم المخرج أرثر بين A. Penn ( بوني وكلايد Bonnie & Clyde) بالغ الرومانتيكية وتكون كل جرائم بطليه مجرد مواجهة مع آليات المجتمع والنظام القائم بل لا يخلو الأمر هنا من ميل الى تفسير سلوك البطلين بأنه نوع من الدفاع عن النفس.، في حين ان بطلي أوليفر ستون قد صورا كمخلوقين منفرين حرما من كل أحاسيس عد ا الإنقياد الى القسوة. بعبارة أخرى حرم ستون المتفرج من أي فرصة كي يتطابق ولو قليلا مع هذين البطلين .
وكما قلت يستخدم ستون كل التقنيات ، إلا أنه غالبما ما يكرر تقنية الفيديو كليب بمونتاجه الدينامي والوصل الحرّ للشريط الملون بالآخر الأبيض والأسود. هناك أيضا العمل العشوائي للكاميرا وإختيار زوايا لها غير تقليدية أو تشويه الصورة المتعمد أو التبدلات المفاجئة للكوادر والأخذ بتقينة النشاز الصوتي وتلك الفلاش – باكات الفجائية والإستبطانات. في واقع الحال يكون ( ولدوا كقتلة ) كولاجا كاليدوسكوبيا لمختلف الشعريات والأصناف الفلمية والميديات من وسائل النقل الجماعي. واضح أنه حين تخلى ستون عن منطق وصل الصور والأحداث في نسق ما يسمى الأسباب والنتائج ، قد حوّل الفلم الى مجموعة من أفعال التشويق الصورية – الصوتية. وحين منح العنف السينمائي صيغة الكاريكاتور يكون قد نزع عنه الفعلية من ناحية وقام بتضخيمه من ناحية اخرى عند لجوئه الى حلول كلاسية ، كإبطاء سرعة الصور أو الأخذ بتقنية ما يسمى بالمفرقعات squibs. ومثل هذه الحلول مأخوذة ، في الواقع ، من تلك الأستيتيكا المحجوزة للتلفزيون وألعاب الكومبيوتر والرسوم comics . فهناك صارت القسوة ما يغذي الميديات ومهاجمتها للمشاعر والعقول بل وحتى أثناء
عرض الإعلانات التجارية التي من المفروض أن تسمح لنا بإلتقاط الأنفاس من وقت الى آخر! فهنا صار كل شيء طافيا على السطح ومبتذلا. وفي المشهد الأول من ( ولدوا كقتلة ) تفتح إحدى بطلات الفلم جهاز التلفزيون في كافيتيريا على الطريق. وكان هناك برنامج ترفيهي يجاور وجهين بلقطات مقربة : نيكسن ودراكولا... وهذا التاثير جاء بواسطة ما يسمى القفز من قناة الى أخرى zapping . و قد اصبح هذا التلقي المتواصل لصور سريعة الشكل الأساسي لمونتاج هذا الفلم. فهذا ( القفز) يوفر للمتفرج فرصة التلقي المتزامن لمختلف الأشكال والأمزجة. وفي المشهد الذي يلتقي فيه ميكي مع مالوري ، وقد أخرجه ستون بأسلوب السيتكوم ، نشاهد صورا لتحرشات جنسية يقوم بها الأب إزاء إبنته ، ثم تأتي مشاهد عنيفة أخرى عن إنتقام البنت. و يكون طبيعيا هنا رد فعل الجمهور : الضحك الذي يذكر بذاك المتفرج الذي يقفز من مشاهدة برنامج تلفزيوني الى آخر يختلف عن السابق مناخا وحدثا. فستون يقوم بخلط لنماذج تلق متباينة.
يرى ستون أن ما يميز الثقافة الجماعية ، الشائعة ، الجماهيرية والميديات الحديثة هو أن اسلوب عرض العنف وتلقيه أصبح في النتيجة عملية تدهور لأهميته ، فهذا تيار سريع من الصور والأحداث التي يصعب إخضاعها للتدرج والفرز الى مراتب مسلية وأخرى خطيرة ، الى وهمية وحقيقية. فالبعد الأخلاقي للقهر قد خضع هنا الى الإلغاء أو التسفيه. فقصة إثنين من القتلة قد اصبحت على يد ستون تشهيرا بتلك القيم المحافظة والمعترف بها في الأقاليم أي في أمكنة تصوير ( ولدوا كقتلة ). ومعلوم أن هذا الفلم ليس إستثناء في فن أوليفر ستون. فهو نابع من موقفه الفكري و السياسي إزاء السائد من الأفكار والتقاليد والممارسات على شتى الأصعدة ، وخاصة ما حصل في الستينات : إغتيال جون كينيدي ، حرب الفيتنام ، فضائح السياسة ووكالة المخابرات المركزية إلخ. وبصورة ما قام ستون بالتوقيع على ذلك المانفست غير المدون – مانفسيت الإحتجاج على ( الجحيم ) الأميركي.
هناك وسيلة معيّنة لتصنيف أفلام أوليفر ستون : أفلام تحلل أحداثا من الماضي وأخرى تتكرس للحاضر. إلا أن كلى الصنفين يتداخل ويخلق تأثيرات متبادلة. ففلمه ( JFK ) عن إغتيال كينيدي ، من عام 1991 ثم فلم ( نكسن ) من عام 1996 وقبلهما عن الحرب في الفيتنام ( الفصيل Platoon ) من عام 1986 و ( المولودون في الرابع من تموز ) و حقبة الهيبز، " الأطفال – الزهور " في فلمه ( الأبواب The Doors ) من عام 1991 ، تقدم كلها بانوراما مثيرة تصّورملاحم الإنعطاف السياسي – الإجتماعي آنذاك ، و تتابع آليات السلطة و تفاقم أزمة الثقة بمؤسسات الدولة والتي يراها ستون مصدر كل سوء جاءت به إتفاقات سرية داخل المؤسسة .
يصعب القول أن سينمائيين من طراز أوليفر ستون هم من دون نهج . فكل ما في الأمر أنهم يطرحون خيارا أخر هو في غالب الأحوال من مدارات أخرى غير مدار ثقافة الغرب. وليس بصدفة أن الشخصية الإيجابية الوحيدة في ( ولدوا كقتلة ) كانت ساحرا عجوزا من الهنود الحمر. كما أن لدى هذا الفنان ميلا واضحا الى مواجهة المسيحية بثقافات وأديان أخرى لا يتردد في التعاطف معها: البوذية في فلمه ( السماء والأرض Heaven & Earth ) من عام 1993 أو معتقدات الهنود الحمر في ( الأبواب ) . وهو يفعل هذا كي يفضح بالصورتين المباشرة وغير المباشرة ، القيم المحافظة التي لها شبه سيادة في المجتمع الأميركي. وفي الحقيقة لا أحد بمكنته القول ومهما بالغ في تفاؤله وإنقياده الى إغراء الإيمان بإنتصار العدالة والقيم الإنسانية ، إن هذا الفنان الأميركي لايقاوم كل يوم الإحباط بسبب تصاعد هذه الموجة العاتية من العنف والقتل وليس في مجتمعه وحده...

الخميس، 22 مايو 2008 

السينما العراقية وشروط الخطوة الأولى

حميد حداد

لا تخفى على احد، أهمية الوعي الكبيرة في التعاطي مع الصورة، سواء في السينما أم التلفزيون أم الفن التشكيلي. والوعي الجمعي العراقي منشغل الآن بأساسيات حياتية أخرى لا تتيح له الوقت الكافي، لتنمية حسه بأهمية الصورة. وتتم عملية إنتاج العمل البصري، في الغالب، دون تفاعل أو تمثل على مستوى الواقع الحياتي بالشكل المطلوب، وبهذا يصبح التراكم الايجابي، في التجربة البصرية المطلوبة، عسيرا جدا. أن التدمير الممنهج الذي طال مفاصل الثقافة كلها في زمن الدكتاتورية، ما زال تأثيره حاضرا وسيمتد إلى زمن ليس بالقصير ويقع على الجميع عبء معالجة آثاره من خلال العمل المتواصل والبحث في السبل التي تديم عملية إنتاج الخطاب الثقافي، البصري منه على وجه الخصوص، فلدينا الآن الحرية، وعلينا أن نقاتل، من اجل الحفاظ عليها. تأتي ضرورة إعادة النظر في عملية توجيه الخطاب البصري في مقام متقدم من أولويات المعنيين بإنتاج هذا الخطاب، ولابد من العناية بمسألة تدريب المتلقي على طريقة جديدة في استيعاب الصورة والتعامل معها على أنها فن لا تصل رسالته إلا إذا تم التفاعل معها، بوصفها رسالة صورية لها مقوماتها وشروطها وتقنياتها الخاصة وعليه يتوجب أن تكون طريقة تلقيها خاصة أيضا، ويعتمد ذلك على تراكم صوري لدى المتلقي. ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بتضافر الكثير من الجهود وفي المقدمة تأتي جهود منتجي الخطاب الصوري، ثم المؤسسات الإعلامية. في الترويج لدور الصورة المشتغل عليها بدقة. وما يعنينا هنا في هذا المقام هو مجال التعبير السينمائي. ولان الجهود التي تبذل من قبل الكثير من المعنيين بالسينما والمدفوعين بصدقهم وطموحهم في الاتجاه إنشاء سينما عراقية تتوفر على الشروط الأساسية التي تقوم عليها أية سينما في العالم، فلابد إذن من مناقشة هذا الجانب بالكثير من الوضوح.
تواجه عملية صناعة سينما عراقية حديثة، الكثير من التحديات، أهمها أنها تفتقر إلى ابسط شروط الإنتاج السينمائي، إذ إن المشروع السينمائي، لا يمكنه أن يتم، إلا بوجود مؤسسات كبيرة، كشركات إنتاج، واستوديوهات تمتلك معدات متطورة، ومدارس خاصة تعتمد أنظمة تعليم حديثة، وصناديق دعم الإنتاج السينمائي، تنشئها الدولة من دون أن تفرض عليها وصايتها بالطبع لضمان استمراره، وتوفر دور العرض السينمائي، والاهم من ذلك هو خلق متفرج مدرب على التعاطي مع الصورة السينمائية. والانتباه إلى أن اعتبار ما أنجز من أفلام أو تجارب المخرجين الذين أنجزوا أفلامهم في السنوات الأخيرة، كحالة طبيعية والاستمرار بالطريقة نفسها، هو خطأ كبير، على الرغم من أهمية هذه التجارب التي تمخضت عن أفلام جيدة، ذلك لأنهم لم يجدوا أمامهم سوى أن يخوضوا التجربة من دون النظر إلى الصعوبات التي تواجههم، لكن ذلك لا يعني أن تستمر الحالة على هذا النحو. ولا يعني أن الصعوبات الموجودة سهلة التجاوز. ومهما كانت النيات الفردية صادقة، فإنها من الممكن أن تصنع أفلاما جيدة، لكنها غير قادرة على النهوض بصناعة سينمائية حقيقية على غرار ما موجود في الكثير من دول العالم، ولدينا أمثلة كثيرة، في دول عربية عديدة، منها سوريا على سبيل المثال، فقد أنجز السينمائيون السوريون الكثير من الأفلام المهمة، غير أنهم لم يستطيعوا لحد الآن أن ينشئوا سينما بالمفهوم الواسع، كذلك الحال مع ما نسميه تجاوزاً "السينما العراقية". فالأفلام العراقية التي أنتجت في السابق، اغلبها جيد، على الصعيد الفني، على الرغم من اختلافنا مع مضمون أكثرها، فقد توفر اغلب صانعيها، على حرفية معقولة، لكنهم لم يتمكنوا من صنع ذاكرة سينمائية عراقية، لأنهم صنعوا أفلامهم خارج السياق السينمائي الذي نعنيه، على الرغم من أنهم وضعوا بعض الأسس التي علينا أن ننظر إليها بوصفها إرثا، وليس من الحكمة القطيعة معها. وضمن هذا التصور، فان الأسس التي يفترض بالسينمائيين العمل على تأسيسها، موجودة بالفعل وان كانت بشكل بسيط، وهي تحتاج إلى عمل كثير، ومضن، من جميع الأطراف، وفي المقدمة يأتي السينمائيون أنفسهم، من اجل ترسيخ تلك الأسس. يصاحب هذه الجهود، العمل على توفير الإمكانات الضرورية لاستقطاب أصحاب رؤوس الأموال، الذين من الممكن أن يستثمروا أموالهم، في الإنتاج أيضا وفي إنشاء استوديوهات متطورة، ومدارس خاصة، تكون ملزمة بإتباع احدث الوسائل في التعليم وتعتمد معدات حديثة ومواكبة لما هو حاصل في الدول المتطورة سينمائيا، ولا بأس في أن تفكر في الجانب الربحي، فهذا مهم لها من اجل ضمان الاستمرارية والمواكبة. وطالما أن العملية الإنتاجية قد بدأت وان بوتيرة بطيئة ومعتمدة على الجهود الفردية، سواء السينما الروائية أو الوثائقية، فلابد من المواصلة، مع الأخذ بنظر الاعتبار أهمية أن تكون عملية الإنتاج خاضعة لأسس صحيحة وحديثة تعطي الجانب التخصصي دوره الكامل.

أهمية التخصص
لا يمكن للسينما أن تقوم بالجهود الفردية وحدها لان السينما عمل جماعي، كما هو معروف، والتجارب الفردية يمكن أن تشكل انبثاقات خاصة، ويمكنها أيضا أن تسهم في خلق تيارات مختلفة تكسر السائد، ضمن سينما قائمة أصلا، لها مقوماتها وسياقها التاريخي ولها سوقها، كما حدث مع سينما المؤلف والواقعية الجديدة في ايطاليا، أو السينما الجديدة في فرنسا، أو السينما المستقلة في الكثير من الدول، أو حتى الواقعية الجديدة في مصر. وطالما أننا نتحدث عن سينما لم تقم بعد بالمفهوم الحقيقي للسينما الذي ننشده، فلا بد من الإشارة إلى نقطة جوهرية في العمل السينمائي إلا وهي التخصص. تأتي أهمية التخصص من ضرورة أن يظهر العمل السينمائي بالشكل اللائق، ولا يمكن أن يحصل ذلك إلا بتضافر جميع التخصصات وتفهم الجميع بأهمية دور كل واحد منهم، بوصفه مكملا لعمل زميله وتكون له القدرة على صهر دوره في قالب موحد هو العمل السينمائي لأنه الغاية النهائية. ومسالة الاعتقاد بأن المخرج قادر على انجاز الفلم بنفسه هو وهم، أن تراكم الأخطاء التي يرتكبها من يقوم بانجاز الفلم لوحده، تمتد إلى كل جوانب ذلك الفلم، أي أن الأخطاء التي ترتكب في السيناريو وتلك التي تحدث في التصوير، وأخيرا أخطاء الإخراج، تكون كلها في عمل واحد في الوقت الذي يفترض فيه أن يتدارك المونتاج ما وقع من أخطاء في مرحلة التصوير وكذلك المخرج الذي يتلافى ما وقع فيه كاتب السيناريو من قصور في الرؤية - وهذا الأمر يتعلق بالفلم الوثائقي أكثر من غيره، لأنه في الغالب يتم بدون سيناريو حقيقي قائم على بحث عميق- وهكذا الحال، إلى أن يصل العمل إلى درجة تتحقق فيها الرؤية المشتركة المتكاملة، بين كتابة السيناريو والتصوير وتقنية المونتاج والرؤية الإخراجية. فضلا عن أهمية توفر القدرة للمخرج على تشكيل فريق عمل متجانس، يشعر كل شخص فيه بأهمية دوره ضمن العملية ككل. أيضا، هناك أمر في غاية الأهمية، هو الجهد الهائل المبذول من قبل صانع الفلم مما قد يؤدي إلى الإجهاد ويؤدي ذلك بدوره إلى قلة التركيز في التفاصيل الصغيرة المهمة، أو يؤدي إلى تساهل صانع الفلم في الكثير من الأمور التي ليس من الصحيح التساهل فيها، وهذا ما حصل مع الكثير من الأفلام التي أنجزها أصحابها بجهودهم الفردية. والتجربة التي استخلصناها من المقارنة المنطقية التي لا بد من أن تعقد بين ما أنجزه سينمائيونا وبين ما ينجزه الآخرون، فالهنات والأخطاء التي تضمنتها الأفلام العراقية تؤكد ما نذهب إليه. والاستمرار على هذا النحو يعبر بالتأكيد عن قصور في الفهم، لا يساعد على إنشاء تقاليد صحيحة في التعامل والسلوك بين مختلف التخصصات، وسوف تتعثر العملية طويلا قبل أن يتوصل السينمائيون إلى تقاليد صحيحة في الوقت الذي يمكن فيه تجنب ذلك التعثر.
لدينا الآن أفلام جيدة على الرغم من الظروف الخاصة والصعبة التي تم فيها إنتاجها، وهذا ما يدعو للتفاؤل، فـ "أحلام" لمحمد الدراجي، و"غير صالح" لعدي رشيد، فلمان لشابين لهما مستقبل جيد في السينما (الروائية) ولهما فضل المخاطرة في ارتكاب الخطوة الأولى وبدونها لا يمكن البدء. ولدينا أفلام وثائقية كثيرة، هي جيدة بحق، منها على سبيل المثال "العراق وطني" و"سندباديون" لهادي ماهود، و"16 ساعة في بغداد" لطارق هاشم، و"العراق أغاني الرجال الغائبين" لليث عبد الأمير، وغيرها، كلها أنجزت في السنوات الخمس الماضية، دون نسيان أن هذه الأفلام -ربما ما عدا فلم "العراق أغاني الرجال الغائبين" الذي أنجز على أسس إنتاجية صحيحة، وسنأتي إلى تبيان ذلك في مناسبة أخرى- جميعها قد أنجزت بالطريقة التقليدية، أي أفلام فردية أصحابها مدفوعون برغبة انجاز أفلام بمعزل عن أي سياق جماعي مؤسساتي، على الرغم من الحلم الذي يحدوهم بوجود سينما عراقية حقيقية.

المدى


الخميس، 15 مايو 2008 

تيك 4




جمال امين


حاضر يافندم, ايوه ياباشا ,انت تامر ,ده استاز كبير, سيدة الشاشة, وحش الشاشه, سندريلا
الشاشه, مخرج الروائع ,بالتاكيد هذه الكلمات من اللهجة المصريه الدارجه تستطيع ان تسمعها وانت تعمل في احد الافلام المصريه او اي من الاعمال الفنيه الاخرى وكذالك في الشارع المصري عندما يذكر اسم فنان معين ونرى كذالك هناك الكثير من الشوارع في مصر وبعض البلدان العربيه تسمى باسماء فنانيها الا العراق. وهذه الكلمات مثل استاذ كبير او هذا فنان عبقري او غيرها تصدر عن مجموعة الفنيين وكذالك الفنانين الكبار ومن عامة الناس وهذه الكلمات ماهي الا جزء بسيط من أحترام الناس للعاملين في هذا الحقل واعتبار هؤلاء الناس كدعات الى الحب والجمال ويمثلون الوجه الحضاري لاي بلد .فعندما تسال احد الناس في مصر عن الفنان الفلاني وحتى لو كان هذا الفنان بسيط جدا يقال لك ده فنان كبيراما في بلد مثل العراق !!!!!
هناك تقاليد لصناعة السينما وهناك بريستيج للفنان وللتقني واحترام كبير من قبل المشاهد لهذه النخبه وهناك ملايين الدولارات تدفع لهم كمستحقات عن ابداعهم من قبل الشركات والمؤسسات الفنيه.
كذالك هناك قناعه لدى اغلب العاملين في صناعة السينما في كل العالم وكذالك في مصر وانا هنا استشهد بمصر كنموذج نظرا لما لمصر من اهمية في كمية الانتاج السينمائي اي ان هناك تقاليد عمل موجوده في هذا البلدان.
للسينما دور كبير في في تنمية الثقافة وزيادة الوعي وترسيخ الجانب الجمالي في ذهنية المتلقي وللسينما دور في عمليه تنمية الذوق العام وللسينما دور في التغير وهناك دور مهم جدا للسينما وهي المتعه .
في العراق!!!!!!!!!!
هناك اميه كبيرة في فهم السينما وفي اهمية السينما وفي مفردات العمل السينمائي لدى العامه من الناس وهذا شيء طبيعي نظرا لظروف الحياة الصعبه مماتجعل الناس ينصرفون عن السينما او قل يتفاعلون مع الافلام بشكل سطحي او لنقل بشكل سلبي لكن الطامه الكبرى عندما تتحدث مع مجموعه من الاختصاصيين وهم من صفوةالاختصاصات العلميه والادبيه وهم لا يعرفون الف باء الفن بشكل عام والسينما بشكل خاص الا ماندر اما مايخص السياسين فحدث ولا حرج لان السياسين لايفقهون من اهميه السينما وغيرها من الفنون الا ما يخص تعليقاتهم وتصريحاته الطنانه والغير مفيدة واللتي تفتقد الى المصداقيه في احيان كثيرة وفي النهاية لتلميع هذا السياسي او لتلميع صورة حزب او اتجاه معين.
اما طبقة التجار واصحاب رؤوس الاموال فهم يعبدون الدينار والدولار وتراه يستسخف اي عمل في في الشاشه عدا بعض الاعلانات اللتي يقوم بانتاجها لغرض تسويق بضاعته وبالطبع سيكون هو او احد اطفاله بطل للاعلان لانه يمثل بفلوسه ولحد الان لم نرى هناك اي مشروع استثماري من قبل التجار في انتاج اي عمل ذو صبغة فنية او ثقافية الا ما ندر وكذالك لاتوجد هناك اية جهة او مؤسسة تجاريه مانحة لانتاج مشروع يعني بالثقافة ويدعم المثقفين علما بان الاستثمار في مجال السينما يدر ارباحاً خياليه.
نظرة المجتمع العراقي للفنان دونيه لان تراكمات العهود السابقه جعلت عدد غير قليل من الفنانين العراقي وبكل فخر مطبل ومزمر لهذا النظام مما جعل المواطن العراقي يشعر بانتهازية وعدم صدق الفنان والفنان العراقي ليس معالجا لهمومه بل اليد اللتي تساعد في ترسيخ الدكتاتوريه ماعدا فناني الخارج بالطبع والذين تخلصو من هيمنة الدولة ولكل حاله من هذه الحالات بالطبع شواذها.
رجال الدين وهم الان الغالبيه المسيطرة على الشارع العراقي نظرا لما للخطاب الديني من تاثير فيعتبرون ان السينما مفسدة ومضيعه للوقت وتلهيك عن ذكر الله وعلاقتهم بالسينما والفن لاتتعدى التصريحات وتسجيل البرامج الدينيه والادعيه والتسابيح. ومن اخطر توجهات رجال الدين في العراق هو توجيه الناس بعدم الذهاب الى السينمات واعتبار دور السينا اوكار للفساد وللرذيلة ولهذا الكلام جزء بسيط من الحقيقة فنرى الان ان اغلب دور السينما قد اغلقت وتحولت الى مخازن بعد ان تعرضت الكثير من هذه الدور الى التهديدات بالقتل والتفجير اذا لم يتم اغلاقها.
الافلام العراقيه اللتي تنتج الان واغلبها أفلام وثائقية تعرض خارج العراق وهناك تقاطع كبير بين هذه الافلام وبين البديل المؤقت عن دور العرض وهي الفضائيات العراقيه اللتي من المفروض ان تكون هي المهتمه اولا واخير بعرض هذه الافلام ودعمها وعند الحديث مع هذه الفضائيات عن امكانية عرض هذه الافلام يطلب من صناع هذه الافلام ان تعرض مجانا وهناك بالطبع بعض القنوات الفضائية العربيه تعرض بعض قليل من هذه الافلام مايناسب سياستها لغرض ترويج افكار سياسيه.
المخرج العراقي يعاني الان من فقدان العنصر الرئيسي لعمل فيلم روائي او وثائقي وهو المنتج لحد الان لم نرى اي جهة ممولة للفيلم العراقي سواء من الدوله ام من القطاع الخاص واغلب الافلام اللتي نسمع عنها هي محاولات شخصية لا ترتقي الى ايجاد ملامح مميزة للفيلم العراقي وهناك بالطبع بعض المخرجين الموجودين في اوروبا يحصلون على جزء بسيط من التمويل لانتاج افلامهم ولكن هذه تجارب يتيمه بما معناه ان المخرج قد يتلقى دعم هذه المؤسسة اوتلك لانتاج فيلم ولكنه قد ينتظر سنوات لانتاج الفيلم الثاني بدون امل.
لازال المخرج العراقي يعاني من التهميش من كل مرافق الدولة المعنيه بانتاج الفيلم السينمائي العراقي ولازالت المؤسسات العراقيه وكذالك الفضائيات لاتحترم ولا تقدر اهمية المخرج العراقي والمصور والمونتير وكل العاملين في هذا الحقل.
الفنان المخرج لايُنظر له لحد الان على انه ثروة وثروة كبيرة العراق الان يقدر عدد سكانه بثلاثين مليون ولدينا من الجيش والشرطة مئات الالاف وكذالك من المعلمين والمحامين والمهندسين اعداد تعد بالالاف اما الشعراء فحدث ولا حرج لكن لايوجد لدينا اكثر من مئة مخرج متميز على اغلب الظن فمتى يقوم العراق بالاستفادة من هؤلاء المخرجين ونجعلهم جزء من خطة انقاذ العراق وأساتزه كبار كما يقول الاخوة في مصر.


جمال امين
مخرج وممثل عراقي
filmsart@hotmail.com


 

شكرا اميركا

ـ شكراً أميركا ـ للعراقي عادل جودة: أطفال السلاح



علي البزاز



نظام الدولة هو ضد أسلوب إدارة العشيرة. إنها مسألة المؤسّسات ونظام الحكم الفردي القبلي. فالانتماء إلى العشيرة يضعف الدولة ويفتّت الوطنية، وعندما تحمي العشيرة الدولة يضيع المواطن المتطلّع إلى رعايتها. إدانة دولة كهذه على نحو تأويلي هي غاية الفيلم القصير «شكراً أميركا» (عُرض في مهرجان ميلانو للسينما العراقية) للمخرج العراقي عادل جودة، عندما يخرج أحد العراقيين حاملاً سلاحة ويقول: «كل شخص يحمي نفسه بنفسه». هذا منطق طبيعي في عراق اليوم. فالدولة تُحمى من غير مؤسّساتها (الجيش والشرطة) لأنها تستأجر أنظمة حماية أجنبية، وتستجير بالعشائر ذات النظام الاجتماعي وأسلوب الحكم الذي يتنافى ومتطلبات الدولة الحديثة، والذي يعمِّق الولاء للطائفة والقبيلة من دون الوطن. يتطرّق الفيلم إلى النزعة العدائية لدى مجموعة من الأطفال ترعرعت في بيئة الحرب، حيث يصير السلاح إحدى وسائل تسليتها اليومية، وحيث تُتَداول بين أفرادها مفردات الخطف. الفدية الشائعة الاستعمال في العراق الآن، أغنية الفنان مارسيل خليفة «تصبحون على وطن»، في أثناء لعب الأطفال في ما بينهم بالبنادق، كأنها تقول: تصبحون على موت يهديه إليكم الوطن، إذ ابتدع هؤلاء الأطفال «أنا» السلاح في غياب الرعاية الأسرية، وهم مستعدّون لتحمّل عاقبة فعلتهم، وهي الموت. يقول فرويد في كتابه «قلق في الحضارة»: الولد المتروك والمُربَّى بلا حب، يسقط التوتر بين الأنا والأنا الأعلى، ويمكن لكل عدائيته أن تتوجّه نحو الخارج. فأي بلد هذا الذي يُنتج طفولة مدجّجة بالسلاح ومثقّفة بالحرب؟


استفاد المونتاج من حبكة الدراما وأظهر تسلسل القصّة على نحو سببي، كأنها واحدة من مفردات الحياة اليومية. مثلاً: مشهد في بداية الفيلم وعبارة «كلّ يحمي نفسه بنفسه»، كاف لإظهار غياب الدولة. سهّل هذا المشهد الانتقال إلى جوهر الموضوع: أطفال يتراشقون بالبنادق لأنهم خارج السيطرة الأسرية، ويتعايشون ومفردات الحرب. ولأن الدولة لا تحمي المواطن ولا توفّر له التعليم الذي يقلب مفهوم السلاح، يصبح الشارع بما فيه من عنف وكراهية العالم الشخصي للناس، فيخضعون لقوانين الحرب وينتجونها كذلك: القتل، الاختطاف والفدية. يظهر الفيلم السلاح كلعبة يومية يدمنون على استعماله بفعل التعوّد أكثر من الكتب المدرسية، ويجيدون حمله كمقاتلين، الأمر الذي يقود في النهاية إلى إطلاق الرصاص على أحد الاطفال المشاركين بلعبة الدم هذه، وهنا تكمن غاية الفيلم مقرونة بأغنية «تصبحون على وطن»، أي إن الوطن هو الذي ساهم بقتل أبنائه.


أنا سلاحي
كان احتكاك الأطفال بالسلاح فعلاً غير شرطيّ ونتيجة التعوّد والممارسة، ثم تحوّل إلى فعل شرطي، اي القتل، كما هو معروف في نظرية العالم الروسي بافلوف. فأي مستقبل تشيّده أنا السلاح لهؤلاء الأطفال وللعراق، إذا كان الأطفال نواة المستقبل يمارسون السلاح كهواية؟ هذه الأغنية التي شكّلت الخلفية لمعظم المشاهد، أعطت انطباعاً بأن الوطن هو المسؤول عن هذين القتل والتخريب. شعورٌ فردي بضرورة الحماية الشخصية مُصاحَب بفقدان الأمان عند المجتمع المعبَّر عنه بمجموعة من الأطفال الذين يشاركون في احتفال الموت. لخّص المشهد الأول في الفيلم الوضع الأمني في العراق، ثم حالة المواطن الذي سبّبت له الدولة فقدان الشعور بالوطنية وبالأمان. هذه نتيجة حتمية لما آلت إليه الدولة العراقية الحالية، التي تطلب الحماية من العشائر والصحوات والميليشيات الطائفية. هذه المكوّنات الاجتماعية تساهم في النهاية في إضعاف المؤسّسات، لأنها تختلف عن نظام بناء الدولة الذي شهد تراجعاً في بنيته لصالح العشيرة والطائفة. هنا، تلوح في الأفق بوادر ظهور دولة العشيرة القوية ضمن الدول المركزية الضعيفة. إن العثمانيين هم أول من تجرّأ على نظام القبيلة وتمكّنوا من تقييد نفوذه إلى الحدود الدنيا، بخلاف ما يُنسَب إلى البريطانيين هذا السبق أثناء احتلالهم العراق. كانت عشائر المنتفك في جنوب العــراق تُسبّب مضايقات وتنتهك سلطــة الاحتــلال العثماني مستفيدة من الصحراء والأهــوار كملاذ وحــاجز طبيعي جغرافي يقيها مطاردة السلطة. لذا، فكّر العثمانيون حينذاك بإنشاء مدينة الناصرية لتوطين تلك العشائر والحدّ من تنقلها، حيث احتوت المدينة الحضرية قوتها وأخضعتها للقانون. بُنِيَت مدينة الناصرية على فكرة مائية ـ سياسية، وانتدب لهذا العمل المهندس البلجيكي جوزيف تيلي لما للهولنديين والبلجيكيين من دراية بتأسيس المناطق المنخفضة ومهارة بتخطيط المستنقعات.


انقلب الوضع الآن ضد الدولة التي انحسر نفوذها مقارنة بتنامي نفوذ العشيرة والطائفة. صوّر الفيلم هشاشة الدولة بدراما بسيطة لكن بتعبيرية عالية، نفذ إليها من خلال الوضع الأمني، مروراً بحالة التهديد الدائم التي تسيطر على واقع شريحة معينة من الأطفال العراقيين، يُشكّل السلاح لهم الرحم، والحرب بمعنى الأمومة، كأن الطبيعة بمفردتيها الرحم والأمومة، قد استجابت للحرب وعاقبت الطفولة فصارت لغتها الخطف والفدية، كارهة البراءة ومتنعمة بأمومة السلاح. هكذا أصبح الاتفاق بين الحرب والتخريب ودياً. هذا الانتصار الباهر للسلاح على العقل يرسّخ قناعة مسموعة، شره صوتها يسطع بقدر ما نحاول إطعامه التستر والكذب: إن مدنية الجنس البشري هي مدنية سلاح.

الثلاثاء، 6 مايو 2008 

فن الفيديو: الفنان عادل عابدين نموذجا





أحمد بجاي





يرتبط تاريخ فن الفيديو بشكل وثيق بضهور التلفاز في بداية العقد الستيني من القرن الماضي وتطور جهاز الفيديو لاحقا وهناك عدد غير قليل من التشكيليين الذين وظفوا الصورة المتحركة في التشكيل كالاميركي ورهول([1]) والنمساوية فالي اكسبورت([2]), وايضا استخدم دوشامب في عشرينيات القرن الماضي المنتج الصناعي اليومي الجاهز كعمل فني متكامل. نشأ فن الفيديو في اميركا- نيويورك في منتصف الستينيات حيث كان اول معرض عام 1969 ليفاجأ المشاهد برؤية صورته في شاشة التلفاز, ثم انتشر في اوربا بافتتاح جاليريات متخصصة في هذا الفن الجديد والذي لايزال جديدا وغريبا وغير معرفا في بلداننا العربية, ويعتبر جاليري التلفاز([3]) في برلين وجاليري الفيديو في دوسلدورف من اهم واول الجاليريات التي اهتمت بالفيديو منذ عام 1969. تحتضن مدينة جوتنبيرج السويدية البينالة الرابع (24-08-07 الى 24-11-07) الذي يضم 28 فنانا من مختلف البلدان, والملفت للانتباه ان معظم هذه البلدان اختارت فنانا واحدا ليمثلها من بينهم الفنان العراقي عادل عابدين([4]) (فنلنده) والفنانة اللبنانية لمياء جورج (لبنان) والفنانة الافغانية ليدا عبدول (افغانستان ).
يكاد يكون فن الفيديو السمة الغالبة في البينالة وكأنك ترى سلسلة اعمال ملتزمة كثيرا بعنوان البينالة ( الحدود السياسية وخيارات المعارضة ) حتى يبدو لك ان الصورة الناطقة والصوت المجسم القريب من اذنيك وكأنه صرحا افقيا ذا عمارة مبهمة مليئة بالاشكال الهندسية المعتمة اللون.
اينما تمشي تصطدم عيناك بشاشة عرض, في الشارع او في البيت تشاهد صورا ثابتة او متحركة ناطقة بأحجام واشكال مختلفة حتى في اجهزة الاتصال المحمولة بامكانك ان تستخدم الكاميرا والفيديو. نرى اليوم ان فن الفيديو اضحى وسيلة تعبيرية وليدة التكنلوجيا والوسائل التشكيلية وفن العمارة ليستخدم التشكيلي, الذي ليس بالضرورة ان يكون فنان فيديو متخصص, ادواته التركيبية كجزء من منجزه البصري ( الفيديو).



المتلقي وفن مابعد المعاصرة
كثيرا مايدور تجاذب اطراف الحديث واحيانا يحتدم النقاش بين الفنانين ومريدي الفن ليقف المتلقي خارج الموضوعة المطروحة ولاننسى هنا بأن العاملين في مجال الفن هم ايظا متلقون يشتركون مع المتلقين في تكوين نظاما فنيا اجتماعيا معينا وهكذا هو الامر منذ مئات السنين وسيكون هكذا ايظا مستقبلا. والسؤال هنا في كيفية استخدام واختيار الانسان دوره في هذا النظام الفني الاجتماعي القائم على قراءة الفنان الذكية لخبايا وهواجس محيطه, وقد يتملك المرء شعورا بأن استقلالية الفنان وتفرده في فترة محدودة وتحت ظروف محيطه ربما يؤدي الى التلاشي اوالدوران في حلقة مفرغة, والتاريخ سيكون قاسيا على الفنان اذ انه يأخذ فقط هؤلاء الفنانون الذين يقدمون فنا له معنى ولغزا ويطرح الاخرين جانبا. ولكن ماهو المعنى واللغز في الفن؛ اعتقد بأن دور النقد الفني والمؤسساتية كبيرين في الوصف والتحليل واحيانا التقييم من خلال لقاء الفنان المعني ومناقشته لخلق حوارا فكريا فنيا تتوضح فيه الرؤية بفك اللغز والوصول الى المعنى بغض النظر عن الاسلوب التقليدي او المعاصر ومابعده للفنان. ولايجوز للناقد تأمل العمل الفني والتعليق فقط وانما توضيح ماهو مبهم وتبويبه لبيان صورة مصغرة للعمل, ومجموعة صور نقدية تزيح الغموض عن العمل الفني المعاصر ومابعده بعيدا عن المجاملات والعلاقات الشخصية التي تفسد المتعة والوصول الى الحقائق. هناك البعض من النقاد الذين ينقصهم الولع والهيام بالعمل الفني ومتناسين ان العمل الفني وسيلة تعبيرية وليدة الاكتشافات العلمية والشواهد كثيرة على ذلك, وهذه الاكتشافات العلمية صممت ولونت من وحي الفنان لتكون مثلا على شكل هذه الشاشة او ذلك المصباح, وهو ايظا الاقرب في طرح التساؤلات وطريقة معالجتها اللاواعية ضمن اطار محيط الفنان والمتلقي, وبالتأكيد هناك فنونا لم تجد طريقها التلقائي بعد للمتلقي كفنون مابعد المعاصرة مثل الفيديو والتركيب منفصلين اومعا الذان اخذا بالنمو والانتشار ليصلا للمتلقي بحذر ووضوح في المجتمعات الغربية. وهذا مانراه جليا في عمل الفنان العراقي عادل عابدين ( 1973 - ) الذي يبتعد عن جمالية الفن ويقترب من الميكانيكية والفكرة الصريحة التي لاتقبل التأويل. يتكون العمل من شاشة عرض حجم 20 بوصة وجهاز دي في دي والى الجانب الايسر من الشاشة وعلى بعد مترا تقريبا وعلى الارض تشاهد ثمانية اكوام من ورق الكارتون الخفيف على ارتفاع بين 40 الى 70 سم تقريبا, كل ورقة حملت شكاوى المواطن العراقي مثل ( ماكو كهرباء) ( انتحاري ) باللغتين الانجليزية والعربية ليستطيع المتلقي اخذ نموذجا من الشكاوي. يعرض الفلم (4 دقائق) طفلة عراقية مغتربة في الرابعة من العمر تتلقى درسا في اللغة العربية من خلال ترديدها لبعض الكلمات العربية / اللهجة العراقية مع النص الانجليزي للمتلقي الغير ناطق بالعربية المتعلقة فقط بكوارث الانسان العراقي داخل العراق.

التشكيلي عابدين في سطور:
* ولد في بغداد 1973. * بكلوريوس كلية الادارة والاقتصاد, بغداد, 1994. * بكلوريوس اكاديمية الفنون الجميلة, رسم, بغداد, 2000. * ماجستيراكاديمية الفنون الجميلة , هلسنكي, 2005. * اقام ستة معارض شخصية بين عام 1990 – 2006 في بغداد وهلسنكي. * اقام تسعة معارض جماعية بين عام 1997 – 2006 في بغداد ومعظم الدول العربية وهلسنكي والمانيا وسلوفينيا. * حصل على العديد من الجوائز, من بينها الجائزةِ الأولى للفنانين العراقيينِ الشبابِ, 2002. * يقيم ويعمل في هلسنكي.
الهوامش:
1. آندي وورهول:

http://www.warholfoundation.org/
2. فالي اكسبورت:
http://www.valieexport.org/index.php?english
3. جاليري التلفاز:
http://tvgallery.ru/en/index.html
4. موقع الفنان عادل عابدين:
http://www.adelabidin.com/

الاثنين، 5 مايو 2008 

السينما العراقية إلـى أيــن ؟







جمال شريف




لو قدر لأحد ما أن يتصدى لعملية إنتاج فيلم سينمائي عراقي بعد سنوات قريبة من الآن لوجد صعوبة بالغة في إيجاد الخبرة البشرية السينمائية ذات التقنية العالية التي من الممكن أن تنفذ له الفيلم بما يرضي الطموح وبقناعة معقولة. الانقطاع
عن صناعة السينما العراقية لفترة طويلة واضحة أدى إلى اندثار الخبرة التراكمية التي هيأتها السنوات الطويلة لمسيرة السينما العراقية التي عاشت بين العسر واليسر والظمأ والغيث تحمل فيها سينمائيونا الرواد عبئا ثقيلا ضحوا فيها بالغالي والنفيس ليحققوا أفلاما رائعة رغم قلتها إلا إنها تركت بصماتها في الذاكرة السينمائية العراقية بل إن منها ما ترك أثرا في الوجدان الثقافي والشعبي العراقي وظلت معلما ثقافيا مخزونا في علب معدنية نعود لنستذكرها عندما نريد صياغة الهوية الثقافية لمجتمعنا ومنها أفلام سعيد أفندي والحارس والظامئون ومن المسؤول وغيرها من ألأفلام التي مازالت صالحة للعرض حتى الآن بالرغم من تقادم إنتاجها.


ولكن ـ للأسف ـ توقف النشاط في جسد السينما العراقية، فالفنانون الرواد أرهقتهم المسيرة الطويلة واكتفوا بما قدموه فبعضهم آثر الركون إلى جانب الراحة ومنهم من أوقفت نشاطه إدارة السينما في الماضي وللأسف فهناك حاليا من يقف ضد فسح المجال لهم لتقديم إبداعاتهم وقد بات الأمر واضحا إلاّ هنالك قصديه في إيقاف مسيرتهم وتحاك ضدهم المؤامرات في زمن كنا نتأمل أن لاتكون الارتباطات الأيديولوجية الفيصل في التعامل مع الفنانين. لذا فقد تعطلت وجوه مهمة وابتعدت عن إستديوهات الإنتاج السينمائي ومنهم من ابتعدوا عن الحياة أصلا لذا لم يتبق من الخبرة الحقيقية في مجال صناعة السينما التي من الممكن ألاعتماد عليها بشكل احترافي سوى عدد قليل في كل تخصص في مجال صناعة السينما من مخرجين ومدراء تصوير ومهندسي صوت ومونتاج وكتاب سيناريو وفي بقية الاختصاصات ألأخرى.وأصبحت محصلة إنتاج الشريط السينمائي العراقي صفرا ثابتا لسنين تعد طويلة في حياة الأمم ما بلغ الإهمال في صناعة السينما حد التدمير.


لقد تطورت أساليب إنتاج الفيلم السينمائي بما يقلل الكلفة حيث توفرت الآن إمكانية التصوير بأجهزة تصوير فيديو متطورة قادرة على إعطاء نتائج مقاربة لعمق الصورة السينمائية التي تحققها الكاميرا السينمائية ثم يصار إلى تحويلها إلى شريط سينمائي احترافي حجم خمسة وثلاثين ملم كي يعرض في صالات السينما. والسؤال المحير هو: لم يحدث هذا التوقف في صناعة السينما وخصوصا إن العراق يمتلك مقومات عظيمة؟ فالعراق بلد له تاريخه الحضاري ومخزونه الثقافي والتراثي واسع ومتنوع و يجب أن يقدم للسينما العالمية كونه يشكل هوية مميزة ولونا إنسانيا رفيعا يخدم الفكر الإنساني إذا ما قدم للعالم بروحية إنسانية وبقراءة وطنية وبتقنية سينمائية عالية. وأكثر ما يحير في مسألة وقوف عجلة إلانتاج السينمائي في العراق إن الكثيرين نسوا الحديث عن صناعة السينما في العراق وصاروا يكتفون بإنتاج المسلسلات التلفزيونية معتقدين إنها الحل حيث اختلطت ألأمور على بعضهم. ترى إذا طال السبات السينمائي العراقي فكيف سيخرج إلى العالم لاحقا؟ فالدول التي لا تتواصل في إنتاجها السينمائي ستجد صعوبة كبيرة في الظهور إلى العالم وتضيع كل الجهود الخيرة التي قدمها سينمائيونا الرواد وستكون المنافسة أصعب على الجيل الجديد كلما طال الزمن كون الإستديوهات العالمية بنت صناعتها وهويتها السينمائية بشكل راسخ وليس من السهل منافستها. وستكون هنالك فجوة كبيرة بين ماضي السينما العراقية ومستقبلها مما سيجعلها تبدأ للأسف من الصفر من جديد وهي التي قدمت تجارب سينمائية كان من المفروض أن تكون مدرسة للأجيال الحالية والقادمة إذا ما تواصلت العملية الإنتاجية بطريقة التسليم والتسلم من جيل إلى آخر.


ما العمل إذا لإصلاح هذا الحال. أعتقد من المفروض أن يصار إلى مؤتمر للسينمائيين العراقيين الذين لهم باع كبير في صناعة السينما العراقية ومن لديهم الطموح في دفع عجلة السينما للأمام تشرف علية وزارة الثقافة كي يصار إلى معالجة الواقع السينمائي الحالي الغائب عن شاشة العرض منذ عهود وإجراء دراسات وبحوث بشكل منطقي وموضوعي وصولا إلى مقترحات عملية يقدمها أصحاب التجارب وأتمنى أن يدعى فيه أصحاب رؤوس الأموال العراقية المثقفة كي تساهم في بلورة اقتصاد سينمائي فعال.وبات من الضروري جدا أن يصار إلى فصل دائرة السينما عن المسرح فهذا الربط غير المنطقي بين السينما والمسرح في العراق لانجده في معظم بلدان العالم فقد أثر هذا الربط في جعل السينما دائرة صغيرة هامشية تابعة وذيليه للمسرح القومي وخصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار إن مدراء مؤسسة السينما والمسرح في العراق معظمهم ذوو خبرة واهتمامات مسرحية أكثر مما هي سينمائية مما يعيق إبداعهم في دعم السينما فهم على الأقل يحتاجون إلى أعوام من الخبرة في مجال السينما كي يبدؤوا الثقة بأنفسهم والتجرؤ لتحمل مسؤولية إنتاج فيلم سينمائي، وعندها ربما يكون قد فات عليهم الأوان وتم نقلهم إلى دائرة أخرى أو إحالتهم على التقاعد. عليه ومن الضروري جدا أن تكون لدينا مؤسسات سينمائية متخصصة منتشرة في العراق يديرها أهل الاختصاص والخبرة الطويلة ممن يعرفون كل خفايا الصنعة ويفضل أن يكون لديهم علم ودراية وأن يكونوا ممن لهم علاقات بالمؤسسات العالمية للسينما بحيث ممكن أن نعتمد عليهم في تجسير الفجوة بين السينما العراقية والسينما العالمية بما يخدم السينما العراقية والفنان العراقي عن طريق إنتاج أفلام مشتركة.كما يجب تطوير الكوادر السينمائية العراقية عن طريق فتح دورات لهم داخل العراق وخارجة وإشراكهم في أفلام عالمية لبناء جيل سينمائي جديد. وكذلك تجهيز المؤسسات المقترح انشاؤها بما تحتاجه من تجهيزات سينمائية حديثة والتي هي غير مكلفة أبدا ومنها إنشاء معامل التحميض والطباعة وتشييد بلاتوهات سينمائية وصولا إلى بناء مدينة للسينما توفر المناخ المناسب للتصوير فيها...إن بعض البلدان ولأهمية صناعة السينما لديها رأت أن تؤسس مراكز قومية لصناعة السينما، لذلك رفعت من شأن صناعة السينما في بلدانها كثيرا كونها تدرك أهميتها من كل النواحي فاعتبرتها جزءاً مهما من المشهد القومي وهوية ألأمة فعلام هذا ألإهمال للسينما في العراق !؟


ومن الضروري جدا أن يصار إلى طباعة ألأشرطة السينمائية العراقية القديمة على أشرطة فيديو وأقراص دي في دي وتشجيع عرضها بأسعار مناسبة على شاشة الفضائيات العربية والعالمية كي تسجل حضورها ولكي يظل الفنان العراقي في ذاكرة المشاهد فليس من المعقول أن ترفع تكاليف العروض السينمائية العراقية بحيث تفاجأ الفضائية بارتفاع أسعارها إذا ما فكرت عرضها ولو لبضعة دقائق فسياسة رفع تكاليف العرض والتسعيرة التي وضعتها الوزارة لاتجدي نفعا ولا تخدم السينما العراقية وكم اصطدمت البرامج السينمائية في الفضائيات بارتفاع ألسعار. فالمفاضلة يجب أن تكون لصالح انتشار حضور الفلم العراقي وليس الكسب المادي الذي ضيع علينا الوقت وغيب الفنان العراقي من الفضائيات العربية والعالمية. فنحن بحاجة إلى أن يرى العالم كوادرنا السينمائية وصناع السينما من مخرجين وممثلين ومصورين وكل المجالات التي تتطلبها صناعة السينما.


وعليه فان البداية الناجحة لإعادة الدم في جسد السينما العراقية هو بالاعتماد على الرواد السينمائيين الحاليين المتواجدين في العراق وخارجه والاستفادة من تجاربهم ومسيرتهم وخبرتهم كي تكون البداية مثمرة ومؤثرة وان أي تأخير هو ـ للأسف ـ إضافة مسمار جديد في نعش السينما العراقية ويجب شطر دائرة السينما عن المسرح. كما يجب أن يدعم القطاع الخاص وان ينظر إليه كجزء متمم لمؤسسات الدولة وتهيئة إمكانات الدولة لصالح سينما القطاع الخاص بما يدعمها ويؤهلها ويساعدها على المساهمة بالنهضة السينمائية.

الصباح



 

الحاجة الى ثقافة فلمية






بقلم : بيلا بولاش *
ترجمة : عدنان المبارك


معلوم عامة أن الفلم يلقي على أوسع الجماهير بتأثير هو أكبر من تأثير أيّ فرع آخر للفن. وحرّاس الثقافة الرسميون يتقبلون هذه الظاهرة بقلق وخشية. لكن لا أحد يعترف بالضرورة المهمة النابعة من هذا الواقع والتي هي التعرف على الفلم و إمتلاك ثقافة مناسبة وذائقة فلمية. ففي حالة العكس يكون محكوما على المرء بتلقي التأثيرات الطيبة و السيئة على السواء. وهذه تأتي من تلك الظاهرة المتميزة والكبرى للعصر. فحينها يكون الفلم شأن أيّ عنصر من عناصر الطبيعة غير المفكرة. علينا أن نعرف قوانين وإمكانيات الفلم كي نتمكن من التحكم وتوجيه ما يلقي بأكبر تأثير على الجماهير في كامل تأريخ الثقافة. ويسهل الإعتقاد بأن نظرية هذا الفن الأكثر نفوذا إجتماعيا هي الأهم بين نظريات جميع الفنون. ولاأحد ينكر اليوم بأن الفلم هو الفن الشعبي لعصرنا. وللأسف ليس بالمعنى الأولي لهذه الكلمة أي أن الفلم هو نتاج بروح الشعب بل أنه روح الشعب ( المقصود هنا سكان المدن بالدرجة الأولى )، إنه نتاج هذا الفن الذي نما وأصبح صناعة ضخمة. وتعتمد صحة الشعب النفسية على الدرجة التي نقدر فيها على غرس الثقافة الفلمية في النفوس. ولغاية الآن لم ندرك الأخطار التي يأتي بها الجهل العام بفن الفلم. لقد إعتدنا اليوم على مراعاة العوامل الإجتماعية في حقل الثقافة لكن لا أحد قد أدرك تجنب مسائل أستيتيكا الفلم في الفروع الفنية التي تؤهلنا لممارسة المهنة ، رسميا ، وفي كل مكان. فالأدب وجميع فروع الفن الأخرى تملك في الأكاديميات والجامعات أقسامها. أما الفن الجديد ، فن الفلم فلايملك شيئا من هذا القبيل. وفي عام 1947 أنتخب للمرة الأولى أحد السينمائيين عضوا في الأكاديمية الفرنسية. وفي العام نفسه أسست في براغ أول مدرسة فنية عليا تملك الى جانب أقسام الفنون الجميلة والموسيقى وفن المسرح قسم نظرية فن الفلم أيضا. وفي كتب المدارس المتوسطة يجرى الكلام عن جميع الفنون ، أما فن الفلم فيخصص له فصل صغير فقط. إن ملايين الناس تتعلم أستيتيكا الأدب والتصوير رغم أنهم لا يستفيدون فيما بعد من هذه المعرفة ، إذ يندر أن يقرأوا الكتب أو يشاهدوا اللوحات الفنية لكنهم يترددون كل مساء على السينما وهم غير مهيئين وبدون أيّ ثقافة فلمية. لا أحد يعلمهم النظر الى الفلم وتقدير فنه. إن عدد المدارس السينمائية المهنية كبير اليوم. ولا أحد ينكر أن نظرية الفلم قد تكون أمرا شائق بل ضروريا لكن لدى الخبير فقط. وفي لندن وباريس تؤسس بأعداد متزايدة الجمعيات والمعاهد العلمية الجديدة التي تتفرغ لعلم الفلم filmology لكن هناك القلائل الذين يدركون تماما أن المقصود هنا ليس علما للخبراء بل من أجل أن تصبح المعرفة الفلمية حاجة لدى كل إنسان محب للثقافة. فمن لايعرف الأدب أو الموسيقى يعد إنسانا غير مثقف. وإذا لم يعرف بتهوفن أو ميكاله أنجلو يستثنى من الوسط الثقافي ، أما إذا جهل تماما أسماءا مثل ديفيد غريفيث D. Griffith أو آست نييلسن A. Nielsen فلربما يعتبر ذا ثقافة رفيعة للغاية. وكما نرى لا يطلب من أيّ احد أن يعرف شيئا عن هذا الفن الذي هو الأهم ، لكن من أجل إحساس الجماهير السليم وخير تأريخ الثقافة من الضروري تربية الذوق الفني الذي يمكننا من تقدير الفلم هذا الفن الذي يرّبي بدوره ذوقنا أيضا. وطالما لا نلحق الفصول التي تتكلم عن الفلم بجميع الكتب المدرسية المكرسة للأستيتيكا والتأريخ العام للفن، وطالما لايملك الفلم أقسامه الجامعية وحصصه الإلزامية في المدارس المتوسطة ليس بمقدورنا الكلام عن أننا أدركنا حقيقة أن الفلم هو ذلك الحدث الإنعطافي في تأريخ تطور الإنسان. و ليس القصد أن يكون هناك تفهم للفن بشكله المنتهي بل مصائر هذا الفن الذي يكون وجوده معتمدا على معرفتنا. إننا نتحمل المسؤولية عن مستواه. وقانون تأريخ الفن هو أن الفن والتربية يؤثر أحدهما على الآخر. فالفن يربي ذوق الجمهور ، والذوق الجيد يضع أمام الفن متطلبات أكبر. ويخص هذا القانون ، لدرجات أكبر ، الفلم. ففي أيّ حقل آخر من الفن ليست بمصيبة أن يؤلف الفنان السابق لعصره كتابا في غرفته أو أن يلون لوحة أو يضع موسيقى لا يفهمها أحد من أناس عصره. فهذه الأعمال تصبح مفهومة مع تطور المستوى الثقافي والفكري للجيل القادم. وقد يرحل الفنان إلا أن عمله لن يفنى. أما إذا خص الأمر فن الفلم لايقضي إنعدام الثقافة العامة والفهم ، على الفنان بل على الفن ذاته بالدرجة الأولى، وفي مهده. حينها تنتفي الولادة ذاتها. فالفلم نتاج صناعة كبيرة وهو غالي الثمن ويكون نتاجا معقدا لعمل جماعي ، وليس بمقدور عبقري وحيد يتجاهل ذوق عصره أن يخلق هذا الفن. وهذا لايشمل فقط الإنتاج الرأسمالي الذي يقصد الربح الفوري ، بل الآخر المؤمم الذي لايقدر أيضا على التوّجه الى جمهور الجيل القادم. لابد للفلم من أن يحقق النجاح في درجة معيّنة. لابد أن يكون مفهوما ، فهذا هو الشرط المادي والضروري لنشوئه. والمفارقة في هذا الوضع تكمن في أنه بمستطاع المنتج أن يخلق الفلم في حالة واحدة لاغير وهي أن يكون مفهوما لدى الجمهور. وليس المقصود هنا الذوق السلبي الذي يستهلك ماهو جاهز بل الذوق الخلاق الذي يمنح الشجاعة والأمل ، وبعبارات أخرى يكون القصد هو الإستعداد النظري لدى المتفرج ، وتلك الأستيتيكا التي لاتستخلص الإستنتاجات من العمل الفني القائم بل تخطط له مسبقا وتطلبه وتكون بإنتظاره.
* بيلا بولاش( B . Balazs ( 1884 -1949 ، و إسمه الحقيقي هربرت باوير H. Bauer هو المنظّر الهنغاري المعروف. وكان ناقدا سينمائيا لامعا ، وكاتبا أعطى الكثيرمن النصوص المكرسة لأستيتيكا الفلم ، كما وضع السيناريوهات ونشر مجموعات شعرية ورواية كرّسها لسيرته الذاتية.

مقالات ـ دراسات ـ نصوص اخرى is powered by Blogspot and Gecko & Fly.
No part of the content or the blog may be reproduced without prior written permission.
First Aid and Health Information at Medical Health