« Home | ذاكرة الشعوب في السينما » | الفلم العراقي يفوز في المهرجان العالمي مون دانس » | حرب العراق في سينما هوليوود » | سدني پولاك ـ القسم الثالث » | مالذي قدّمه مهرجان الفيلم العربي في » | سدني پولاك : القسم الثاني » | انتهى من تصوير فيلمه بعكازي حديد » | العطر روايةً وفيلماً » | سدني پولاك : أيقونة الزمن الجميل » | ايام المجد .. ايام العرب المنسية » 

الأربعاء، 11 فبراير 2009 

كل شيء سينما .. الحياة العملية لـ جان لوك غودار




ترجمة :نجاح الجبيلي


إن كتاب ريتشارد برودي « كل شيء سينما، الحياة العملية لجان جاك غودار» هو قصة تحول ووصف مثابر لرحلة فنية مستمرة مدى الحياة. والآن عرفنا كيف أن واحداً من أعظم صناع الأفلام – الرجل الذي غيّر السينما بصورة جذرية في عام 1959 مع ظهور أول فيلم له بعنوان « على آخر نفس»- أصبح ثرثاراً لا يطاق. وربما لن يكون ذلك هو هدف برودي في كتابة هذه السيرة النقدية المضنية و المنهكة أحياناً. وكما أوضح برودي الناقد السينمائي والمحرر في مجلة «نيويوركر» في المقدمة، بأنه مازال يؤمن بعلاقة غودار بالقضايا الحالية زاعماً بأن صانع الفيلم غير العازم على التقاعد الذي عاش في «رول» / سويسرا لمدة ثلاثين سنة، يستمر بالعمل « بأعلى مستوى من الإنجاز الفني».

هذه عاطفة تحمل الحب والتفاؤل لكن لا تستحقها الكثير من أفلام غودار ما بعد عام 1967: ملاكمات وهمية فارغة مثل فيلم « الاسم الأول كارمن»- 1983 أو «موسيقانا»- 2004 تبدو مصممة لتغريب المشاهدين بدلاً من جذبهم بصورة أقرب، وهو الذي يحدث حين يبدأ أي فنان في العيش تماماً داخل رأسه. إنهم الفنانون الذين نحبهم بشكل أفضل والذين هم قادرون جداً على تخييب أملنا، وأي شخص يجد المتعة في صراحة أفلام غودار المصنوعة ما بين سنتي 1959- 1967- أنتج خمسة عشر فيلماً طويلاً مدهشاً في تلك الفترة، بدءاً من « على آخر نفس» و» الاحتقار» و « بيير المجنون» و «نهاية الأسبوع»- عليه أن يعرف بأن الألم هو جزء من الحب. فإن لم نفعل فكيف نعنى بمشاهدة أفلامه في المقام الأول؟

في هذا الكتاب الجاد والمفصل بعناية يغفر «برودي» بعض أعمال غودار المتأخرة الأقل أهمية، لكن إصراره في تقييمها بإحكام يبدو نابعاً من رغبته المخلصة في فهم هذا الرجل المعقد والكريه بكل معنى الكلمة. في فحصه لاستعمال اللغة في فيلم غودار « ألفا فيل»- 1965 يكتب «برودي» بأن « الشعر والحب غير منطقيين. وثبة المذهب المسمى الحب تنطلق في وجه كل ما هو منطقي». ويؤلف كتاب « كل شيء سينما» شيئا من القفزة نفسها: أن تحب صانع فيلم عنيد ولعين مثل «غودار» هو بالتأكيد الجنون بعينه. لكن الفشل في الحصول على المتعة العاطفية أو الحسية وحتى ولو في واحد من أفلامه هو إغفال للشعر.

يشق كتاب «كل شيء سينما» طريقه بصورة منهجية عبر سيرة غودار، بدءاً بأيامه حين كان شاباً متعلقاً بالسينما في بواكير الخمسينيات ويكتب للمجلات السينمائية مثل « لا غازيت دو سينما» وفيما بعد المجلة المؤسسة حديثاً كاييه دو سينما « دفاتر السينما». يوضح برودي بأن دخول غودار إلى صناعة الفيلم الفرنسي ، عن طريق النقد الكتابي، كان «ثوريا وتعليمياً» : كان غودار ومعاصروه – من بينهم صناع الأفلام القادمون للموجة الجديدة بضمنهم فرانسوا تريفو وجاك ريفيت وموريس شيرر ( معروف بصورة أفضل لمشاهدي السينما بإسم أريك رومر)- يثقفون أنفسهم بالذهاب إلى عروض صالات « السينما» و «النادي السينمائي» في الحي اللاتيني، حيث يمكن أن يشاهدوا ثلاثة أو أربعة أفلام خلال اليوم. كان لدى غودار، الذي ينحدر من عائلة غنية ، مال أكثر من معاصريه ووجد طرقاً مبدعة، وإن تكن غير أخلاقية ، للحصول على المزيد: في عام 1950 دعم ميزانية «ريفيت» في صنع فيلم حجم 16 ملم ، عن طريقً سرقة طبعات نادرة من مكتبة جدّه وبيعها.

في كتاب « كل شيء سينما» لا يخجل برودي من عرض عيوب «غودار» على الرغم من أن مقتربه مع ذلك يوحي بعاطفة عميقة لموضوعه. يكتب عن علاقة غودار المضطربة مع زوجته الأولى، الممثلة «آنا كارينا» التي ستكون من الوجوه التي لا تنسى في سبعة من أفلامه.هناك مسحة حزينة حين يصف برودي كيف أن غودار احتقرها، في الشاشة وخارجها، وهي طريقة للاعتراف بأن المرأة يجب أن لا تعاني كثيراً من بعض فن الرجل، حتى لو كان هذا الرجل غودار.لكن برودي يتعامل بصورة عادلة مع غودار في أشد فترات صنعته نضجاً وهي فترة العظمة والإبداع التي تنافس عليها القلة من صناع الفيلم الآخرين. وهذه الفترة الممتدة 8 سنوات التي تنتهي بـفيلم «الصينية» وهو قصيدة غودار عن المثالية المتطرفة بين الشباب وفيلم «نهاية الأسبوع» ، وهو الفيلم الذي، كما يقول لنا، إن غودار نفسه يدعوه الأقرب إلى أن يكون صرخة وليس فيلماً». ( وبطاقات الحوار تقرأ « نهاية القصة» و «نهاية السينما»). وكلا الفيلمين ظهرا في فرنسا قبل سنة 1968 المهمة جداً وقد عجلا بحدوث « انهيار غودار السياسي والجمالي».

والنصف الثاني من كتاب « كل شيء سينما» يغطّي أفلام غودار المصنوعة بعد سنة 1967 وهو قسم طويل جداً. يحاول برودي أن ينشّطنا لأجل هذا الامتداد المؤثر المطوّل وهو يعترف بأن غودار ما بعد سنة 1967 عدّ نفسه آنذاك ماوياً ، فوقع في شرك « سترة المجانين الإيديولوجية»( سترة من الخيش تعطى إلى المجانين أو المجرمين الخطرين لكي لا يؤذون أنفسهم-م) لكنه يضيف بأن أفكاره التي تقف وراء تلك الأيديولوجية « أتاحت الأساس لشكل جديد تعاوني من صناعة الفيلم» سوف تشي ببقية صنعة غودار.

محاولة جيدة. ليت الأفلام كانت أفضل. إن برودي نفسه يكره بعضاً منها (فيلم «موسيقانا») ويعجب جداً بالبعض الآخر (فيلم «موجة جديدة») لكن هذا الحماس لغودار المتأخر يبدو أكاديميا ومزاجيا أكثر مما هو عاطفي، وتفسيراته السريرية المطولة لهذه الأفلام ( والأعمال التلفزيونية التي أخرجها غودار في تلك الفترة) تثقل الكتاب. وحين يتكلم برودي عن «ذلك الشكل التعاوني لصناعة الأفلام» الذي تبناه غودار، فإنه يشير بالخصوص إلى تعاون غودار في البداية مع صديقه الصحفي والرفيق الماوي « جان بيير غورين» ثم مع شريكته الكاتبة والمخرجة «آن ماري ميفي». ومع ذلك، فإن صيغة صناعة الفيلم التي يصفها برودي في النصف الأخير من كتاب « كل شيء سينما» تبدو دكتاتورية أكثر منها تعاونية. إن سرد برودي متبّل باقتباسات من الممثلين والمصورين السينمائيين وآخرين ( من بينهم نورمان ميلر الذي عمل لفترة قصيرة مع غودار في فيلم «الملك لير» 1987) يشهد على فظاظة المخرج ورفضه المتعمد لتوضيح ما كان يرغب منهم. ( هناك مخرجون آخرون مثل زميل غودار في الموجة الجديدة «ريفيت» كانت وسائله في صناعة الفيلم أمثلة أفضل على النموذج التعاوني للستينيات وبداية السبعينيات. فلكي يصنع ملحمته التي طولها 12 ساعة «خارج 1» أعطى ريفيت لطاقمه الكبير من الممثلين خطوطاً إرشادية لخلق شخصياتهم، فكتبوا أغلب حوار فيلمهم بأنفسهم.

وبرودي بالكاد يستر هنات موضوعه: فهو يدعو غودار الأردأ في أفكاره السياسية ، وبالأخص تكريس نفسه للماوية ( اتجاه بين المفكرين الفرنسيين في أواخر الستينات الذي يصفه برودي بصورة صحيحة، كونه فاشية مقنعة بقناع خفيف) ثم معاداة السامية التي تبرز إلى السطح بصورة متكررة في أعماله. و من الجدير بالذكر بأن غودار الماوي الملتزم والناطق بالبلاغة الموجهة ضد الرأسمالية والأميركانية، صنع فيلمين تجاريين لـشركة «كانيك» في بواكير التسعينيات. ولم يتم عرضهما على الرغم من أن غودار يفترض أنه قبض الشيكات.

خلال سيرته غالباً ما كانت أيديولوجية غودار السياسية معلقة قليلاً بأكثر من شعارات وأصوات قصيرة مثيرة للانتباه. في عام 1969 قال لصحفي من لندن بأن دور الأوبرا يجب أن تحرق كونها وسائل إعادة صنع الثقافة. ثم عدّل الفكرة:» كلا، لا تحرقوها، فقط انسوها قليلاً.وكما قال ماو : لو أننا أحرقنا الكتب لن نعرف كيف ننقدها». وعلى الرغم من أن برودي يكرّر اختبار أيديولوجية غودار المحدودة إلا صإنه لا يقبل إلا قليلاً وبسرعة بفكرة أن العمل الفني الذي يشي بالأفكار السياسية هو أصلاً أكثر أهمية ومغزى من العمل الذي يحوي على مقدار كبير من الإبداع الجمالي أو العمق العاطفي. إن أفكار غودار السياسية لم تكن أبداً من العناصر الأقوى في أفلامه. ولسوء الحظ فإنه بعد عام 1968 أصبحت غالباً البؤرة لها. ويكون برودي في أفضل حالاته حين يصف كيف أن تقنية غودار المدهشة جداً، وبالأخص في سنواته المبكرة تكثف من شحنة القصص التي يحكيها، وتطلعنا على طرق جديدة في النظر أو المشاهدة.

يكتب برودي :» حتى الآن يبدو فيلم «على آخر نفس» مزيجاً قوياً من الجاز والفلسفة. وبعد هذا الفيلم بدت بسرعة أغلب الأفلام الجديدة الأخرى قديمة الطراز «. وله الحق في ذلك. إن فيلم «على آخر نفس» هو من أكثر أفلام غودار شمولاً. ونقطة وصول لعدد من أتباعه اللاحقين. ونضجه لا غبار عليه: ومشاهدة أفلامه، حتى اليوم، يبعث على الشعور بالحضور في ولادة شيء جديد.بداية القصة. بداية السينما.إذا لم يعطنا غودار شيئاً أكثر فسيكون ذلك كافياً


المدى

مقالات ـ دراسات ـ نصوص اخرى is powered by Blogspot and Gecko & Fly.
No part of the content or the blog may be reproduced without prior written permission.
First Aid and Health Information at Medical Health