ايام المجد .. ايام العرب المنسية
الـسـكـان الاصـلـيـــون نـحـــن .. أيام المجد...أيام العرب المنسية
فراس الشاروط
قليلة هي الأفلام التي تحدث تغييرات كبيرة في بلدانها أو في بلدان تمسها وعلى صلة وثيقة بها، وهذا ما أحدثه المخرج الجزائري (رشيد بو شارب) وفيلمه (أيام المجد) أو التسمية الأصح للفيلم( بلديون كما في تايتل الفيلم وتعني السكان الاصليين)، حيث أتخذ الرئيس جاك شيراك قرارا بتحسين أوضاع المحاربين العرب القدماء اثر مشاهدته هذا الفيلم، رغم أن الحكومة الفرنسية تنفي تأثر شيراك بالفيلم وانه اتخذ قراره قبل مشاهدة الفيلم، ولكن السؤال يبقى هو لماذا لم تتخذ الحكومة الفرنسية مثل هذا القرار قبل سنوات!!؟معظم الفرنسيين يعرفون جيدا ومن قراءة تاريخ بلادهم مآثر الحلفاء في تحرير فرنسا من النازية الهتلرية عام 1944، في عملية أنزال النورماندي الشهيرة، كذلك يحفظون بطولات الفرقة المدرعة الثانية التي دخلت باريس وسط مظاهر الفرح والرقص وباقات الزهور بقيادة الجنرال (لوكلير)، لكن معظم هؤلاء الفرنسيين ينسون أو يتناسون احتراق أكثر من (150) ألف عربي من شمال أفريقيا (تحديدا الفيلق الفرنسي الأول) في تحرير ليون ثاني مدن فرنسا الكبرى ومرسيليا ثالث مدنها وأول موانئها المدنية، وكذلك تحريرهم طولون أول ميناء عسكري ومدناً مثل بلفور وديجون وووو غيرها، ولكن فرنسا تجاهلت فضل مقاتلي المغرب العربي في رحلة تحرير بلادهم، هكذا ببساطه فعلها مثقفوهم (أدباء وفنانين)، هكذا تجاهلهم الشعب مثلما تجاهلتهم الحكومة، بل أن العرب ومن باب الكرم زادوا من فوران دمهم الحامي فانضموا أيضا إلى المقاومة الفرنسية (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من أسر وتعوق) لكنهم بقوا الجنود المجهولين، وتستمر فرنسا في اضطهاد من دافع عنها وحررها ليتجاوز الأمر إلى الجحود المادي فكونهم آتين من مستعمرات فرنسية، وتحديدا من القرى التي يجهل معظم أبنائها القراءة والكتابة، فقد صرفت لهم رواتب تقاعدية ومخصصات عسكرية أدنى مما هو متوقع، بل وصل الأمر إلى أن بعضهم لم يحصل على أي مقابل مادي او معنوي جراء خدماته، ويجيء (رشيد بو شارب) عام 2007 بعد أكثر من نصف قرن ليعيد لهؤلاء العرب المنسيين كرامتهم المهدورة ما شكل صفعة مفاجئة لفرنسا مثلما شكل صفعة لهؤلاء المنسيين، هكذا كرمت الحكومة الفرنسية من تبقى منهم بأنواط شجاعة ونياشين ورفع الرئيس شيراك رواتبهم التقاعدية.أدى الممثل المغربي الرائع (جمال دبّوز) دور البطولة في هذا الفيلم الرائع وهو سبق وشاهدناه في فيلم (أميلي بولان) للمخرج (جان بيير جانو) ومعه المغربي الآخر رشدي زم والجزائري سامي ناصري والتونسي سامي بو عجيلة، يحكي الفيلم رحلة هؤلاء الجنود وانضمامهم الى الفيلق الأول ومحاربتهم ضمن صفوف الجيش الفرنسي وما تعرضوا له من إهانة وسحق للكرامة لخاطر (عيون ألزا) الجميلة، فمنهم من كان يحلم بالاستقرار ومنهم من تصور انه سيصبح مليونيرا جراء خدماته، ومنهم من أراد فقط أن يسدد نصف دينه ويتزوج...على عكس الأفلام الحربية الملحمية ذات الميزانيات الخيالية لم يصور رشيد بو شارب فيلما حربيا بل هو فيلم عن الحرب والصداقة ومعاناة جنوده الذين استبسلوا في الدفاع عن قرية فرنسية آيلة للسقوط، عن الموت عندما يكون شرفا، لقد اراد المخرج فقط أن يدون بعضا من تاريخنا العربي المسكوت عنه وسط فوضانا وانتصاراتنا الوهمية فليس من شيم العربي أن يصرخ متعذبا بتاريخ مؤلم، هكذا ينبش بو شارب في عتمة صفحات التاريخ عن حكايات منسية وهو ما فعله عام 1984 حين ترشح لجائزة الاوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي (غبار الحياة) وفيه قرأ أيضا صفحة مطوية من تاريخ العالم عن مشاكل الصبية الذين افرزتهم العلاقات العاطفية بين الفتيات الفيتناميات والجنود الأمريكان خلال حرب فيتنام، ورغم خروجه بدون جائزة الاوسكار إلا انه بصم على المهرجان ببصمته الخاصة، "السكان الاصليون" ترشح لجائزة مهرجان (كان) لكنه لم يخرج مثل الاوسكار خالي الوفاض فقد جلب لممثليه ال(4) جائزة أفضل ممثل.في النهاية يبقى التساؤل عن مصير من بقي من هؤلاء العرب وقد تجاوزت أعمارهم الـ(90) عاما، كيف يقيمون تجربتهم بعد كل هذه السنوات؟ هل كانوا على خطأ؟ هل هي نزوة شباب ندموا عليها فيما بعد؟ أم هي مجرد حلم تبخر أم أمرا مقضيا؟
المدى