« Home | كل شيء سينما .. الحياة العملية لـ جان لوك غودار » | ذاكرة الشعوب في السينما » | الفلم العراقي يفوز في المهرجان العالمي مون دانس » | حرب العراق في سينما هوليوود » | سدني پولاك ـ القسم الثالث » | مالذي قدّمه مهرجان الفيلم العربي في » | سدني پولاك : القسم الثاني » | انتهى من تصوير فيلمه بعكازي حديد » | العطر روايةً وفيلماً » | سدني پولاك : أيقونة الزمن الجميل » 

الأربعاء، 11 فبراير 2009 

من يعيد الحياة الى السينما العراقية




وجهة نظر - من يعيد الحياة الى السينما في العراق؟

ماجد السامرائي


قبل الإجابة عن السؤال: ماذا يعني، في حركة الحياة في مجتمع ما، أن تغلق دور العرض السينمائي أبوابها، ويتحول بعضها، حتى في المدن المركزية، الى محال تجارية، ومستودعات لبضائع مستوردة؟... نثير السؤال لما يعنيه غياب السينما، صالة عرض وفيلماً ومشاهد، من الأفق الثقافي للإنسان في مجتمع كالمجتمع العراقي، وفي مدينة مثل بغداد تحولت، بفعل سنوات الاحتلال، من عاصمة ثقافية الى مدينة متأخرة، حياة وثقافة، حيث تتراجع المجلة، وينحسر الكتاب، ويغيب المقهى كفضاء لقاء، ويتأخر المسرح... وفوق هذا كله تغلق دور العرض السينمائي أبوابها، لنجد أنفسنا أمام جيل كامل من الشباب (بين سن الـ20 و30 سنة) لا يعرف شيئاً عن ذلك، ولا تصورّ لديه عن صالة العرض، ولا عن الكيفية التي كانت تقدم بها عروضها، فضلاً عن عدم معرفته أي شيء عما يدعى من جمهور السينما.
إنّ إثارة مثل هذه التساؤلات أمام واقع يشهد هذا كله، ويعيشه، إنما يطرح، وبامتياز، أزمة الواقع الثقافي، التي نشير إليها هنا من خلال السينما وأزمة حضورها في مثل هذا الواقع، وتأثير هذه الأزمة في مستقبل الثقافة في البلد.
فقبل ست سنوات غابت السينما من أفق هذا الواقع، وانتهى دور صالات العرض بصفتها مجالاً ثقافياً. وقبل ذلك بنحو عشر سنوات كان أن غاب عن صالات العرض هذه الفيلم الذي ينتمي الى ما نسميه بالسينما الرفيعة، بحكم «سنوات الحصار». ويمكن أن نقدر سلبية هذا الغياب - التغييب وتأثيره الكبير والخطير إذا ما نظرنا الى ما أحدث من فراغ ثقافي سينعكس، بدوره، على مجالات الحياة الثقافية الأخرى، وخصوصاً إذا ما ألقينا نظرة استعادية الى سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي، ومعرفة مدى الدور الذي كانت تلعبه السينما، صالات عرض وأفلاماً، في بناء ثقافة تلك المرحلة، يوم كانت السينما بما تقدم من عروض مهمة، ومتجددة على الدوام، مصدراً من مصادر الثقافة وفي صورة المثقفين الذين كانت دور العرض الرئيسة، في بغداد تحديداً، تحسب حسابهم في ما تقدم لجمهورها من أفلام - أحدث الأفلام وأكثرها أهمية وإثارة لاهتمام المشاهد، الأمر الذي جعل لصالات العرض تلك «تقاليدها»: فهي دائماً مع الأفلام الجديدة التي تنتجها مختلف عواصم الإنتاج السينمائي في العالم، مع الأخذ في الاعتبار أهميتها الفنية ونجومية ممثليها وشهرة مخرجيها. وحين كانت صالات العرض هذه تعرض أفلاماً كبرى سبقت شهرتها شهرة الأعمال الروائية التي أخذت عنها (مثل: الحرب والسلام، والشيخ والبحر، وزوربا، والفراشة... وما الى ذلك، مما يعده المثقفون من أفلامهم المميزة)، كانت تلك الأفلام تتحول الى موضوعات ثقافية للمثقفين: من الكتابة عنها في الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية التي كان معظمها يفرد صفحات أسبوعية للسينما، الى مقاهي المثقفين ومنتدياتهم. وتأخذ تلك الأحاديث والكتابات أكثر من مسار: فمنها ما يتحدث عن التقنيات السينمائية في هذا الفيلم أو ذاك حديث عارف بالفن السينمائي، ومنها ما يأخذ سبيل المقارنة بين العمل في بعديه: البعد الأدبي الذي يكتمل به كتاباً، وفي البعد السينمائي الذي يجري به فناً.. ومن تلك المتابعات، والأحاديث أيضاً، ما كان يعنى بالمضامين فيناقش القضايا التي تثيرها، وعلاقة ذلك بمشكلات العصر وقضايا الإنسان فيه... ما أوجد، في المحصلة، ثقافة سينمائية راح يستفيد منها، بقدر أو بآخر، المشاهد العادي... هذا فضلاً عما خلقته تلك الحال، في مجمل عناصرها من «جمهور سينمائي» كان يمكن الكلام عليه من حيث «عادات المشاهدة» و «تقاليدها».
هذا كله كان في سنوات الستينات والسبعينات، وقد امتد الى الثمانينات. وكان هذا «الجمهور السينمائي» يزداد عدداً ويتكاثر، الأمر الذي دفع بعض المستثمرين الى إنشاء دور عرض جديدة، كما أصبح في بغداد وحدها أكثر من نادٍ للسينما: يقدم العروض المختارة، ويعقد الندوات النقدية والحلقات النقاشية حولها، ما شكل تقليداً ثقافياً جديداً أضافته هذه الحياة الى تقاليدها. إلاّ أن هذا الواقع، بكل ما له وما كان لنا منه، راح ينحدر ويتراجع مع بداية التسعينات، وما شهدته سنواته من حصار مرير شمل الخبز والكتاب والمجلة والفيلم... حتى كان الغزو الأميركي للعراق واحتلاله العام 2003، ليطلق «رصاصة الرحمة» على كل ما تبقى، بما في ذلك السينما: إنتاجاً، ودور عرض، وعروضاً عامة. واليوم... يعيش جيل من الشباب العراقي، ومنه طلبة أقسام السينما في كليات الفنون ومعاهدها، لا يعرف لدور العرض السينمائي في العراق باباً، ولم يطلع على شيء مما ينتجه العالم في هذا المجال الذي شهد، في خلال العقدين الأخيرين، تطورات كبيرة ومهمة.
وسيقول لك هذا الجيل، وأنت تحاول التعرف الى ثقافته أو تناقشه في مفرداتها: إن السينما، والى حد كبير المسرح، هي «مفردات ثقافية» ليست كما ينبغي لها أن تكون في ثقافة هذا الجيل، إن لم تكن مسقطة من مكونات ثقافة معظم أبنائه. فهو لا يعرف عنها ما يكفي، وإن عرف فمن خلال ما يقرأ هنا أو هناك، أو من خلال ما يقدمه التلفزيون.

الحياة

مقالات ـ دراسات ـ نصوص اخرى is powered by Blogspot and Gecko & Fly.
No part of the content or the blog may be reproduced without prior written permission.
First Aid and Health Information at Medical Health